خطيب جمعة العمارة الشور مأخوذ من جيل إلى جيل منذ مئات السنين فهو تراث عراقي قديم


المركز الأعلامي/ إعلام ميسان

القى سماحة الشيخ عماد الزيداوي دام عزه “خطبنا صلاة الجمعة ” في مسجد السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس الله سره)في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان في يوم الجمعة 27 من شهر جمادى الآخر عام 1439 هجرية الموافق 16من آذار عام 2018 ميلادية والتي تناول فيها استفتاء وجه الى سماحة المحقق الاستاذ دام ظله حول الشور اصله ومشروعيته”سماحة المرجع السيد الصرخي (دام ظله) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
‎أرجو من سماحتكم بيان الموقف الشرعي من عزاء الشور الحسيني ومدى مشروعيته، ولا يخفى عليكم أنّ هناك أصواتًا وبعضها من مراجع أو وكلاء مراجع تنتقد هذه الطريقة من العزاء بدعوى أنّها تشوّه المذهب والإسلام مع أننا لا نراهم يهتمون لكثير من المفاسد والقبائح التي أضرّت وشوّهت الإسلام والمذهب من فتن وآهات وانحرافات أصابت المجتمع كالإلحاد والانحرافات الأخلاقية من تخنّث وإقبال الشباب على المخدّرات وانتشار أماكن الدعارة واللواط والزنا بالمحارم والخمور والاختلاط الفاحش والأمراض المنتشرة جراء تلك المفاسد كالإيدز وغيرها، ناهيك عن الفقر والعوز والبطالة والفساد الديني والمالي والأخلاقي وسوء التربية والتعليم وكثرة الغشّ والتزوير والتهريب والسرقات، فهل إن الفساد والإفساد باسم الإسلام والتشيع والتسنّن هو الذي يشوّه الإسلام والمذهب؟، أو إنّ عزاء الشور الذي يرسّخ الجانب العقائدي والتاريخي ويهذّب الفكر ويحصّن الشباب من الانحرافات الأخلاقية والآفات الاجتماعية والذي فيه إحياء لمصاب أهل البيت(عليهم السلام) هو الذي يشوّه الإسلام والمذهب؟.
‎وفي الختام أقول: هل من العقل والمنطق أن نرى البعض يشرّع الاحتفال بعيد الحب ( الفلنتاين ) رغم مخالفته الصريحة للدين والأخلاق بينما عزاء الشور على سيد الشهداء غير مناسب بحسب ما نسمع عنهم؟ !!
‎أرجو من سماحتكم الإجابة على ذلك جزاكم الله خيرًا” وعليكم السلام
‎أوّلًا: راجع الاستفتاءات التي صدرت من سماحة السيد الأستاذ (دام ظله) المتعلقة بالمعنى المسؤول عنه، وكذلك المتعلقة بحكم الموسيقى واستخدامها في رثاء ومديح أهل البيت (عليهم السلام)، والتي منها:
‎س1: ما هو حكم الموسيقى؟ وما هو المحرّم فيه؟ وهل الأناشيد والأذكار في مدح أهل البيت التي تتناسب مع مجالس أهل الطرب تعتبر غناءً أم كلّ شيء يذكر في مدح أهل البيت(عليهم السلام) هو حلال؟ وهل يجوز الاستماع إلى مثل تلك الأذكار ؟
‎الجواب:
‎الموسيقى والغناء في الأدعية والرثاء والأناشيد والأذكار، تجوز شرعًا، بشرط عدم استلزامها اللهو والباطل بإيجاد الطرب والخفّة، وعدم انضمام محرّم آخر إليها، كالتكلم بالباطل ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهن مما يثير الشهوة .
‎س2: ما هو الدليل القاطع والجازم الذي لا يستطيع معه أحد المناقشة في حرمة الغناء؟ وهل إنّ الموسيقى (الصاخبة والهادئة) جائزة؟ وهل صحيح إن الصدر أحلّ الموسيقى لأنها تريح النفس؟.
‎الجواب: الغناء حرام، ولا بأس في الأناشيد الحربية وأناشيد الذكر الشرعية ونفس الحكم في الموسيقى، ويجوز سماع الموسيقى الهادئة للعلاج النفسي .
‎س3: بعض القارئين والمنشدين يأخذون ألحان بعض أغاني الفسوق فينشد بها قصائد في مدح المعصومين(عليهم السلام) فيكون المضمون مختلفًا واللحن مناسبًا، فهل يجوز ذلك؟ وهل يجوز الاستماع لهذه الأناشيد؟ .
‎الجواب: ما دام الإنشاد لم يقع على نحو اللهو والباطل وما دام لا يحقق الطرب والخفّة النوعية, فلا بأس به ويجوز الاستماع لذلك .
‎س4: هل يجوز شرعًا العزف على الآلات الموسيقية كهواية؟
‎الجواب : إذا لم يكن في حرام ولم يستلزم الحرام ولم يُعدّ من الحرام جاز ذلك .
‎س5: ما حكم الشرع في عزاء الشور فهل هو حلال ام محرم ؟ علما انه ينضم اليه بعض الكلمات والاحرف والترديدات بل والاصوات، تصدر من اشخاص او من الة الكترونية ولها نغم يصطلح عليه بالذكر؟
‎الجواب: مادام يدخل تحت عنوان الموسيقى والغناء فيشمله حكمها، فإذا كان مثلا في الأناشيد الحربية وأناشيد الذكر الشرعية والأدعية والأذكار ورثاء المعصومين والأولياء عليهم السلام، جاز ذلك إذا لم يستلزم الحرام.
‎ثانيًا: راجِع بحث الدكتور حسين الساعدي بعنوان (الشور :أصلُه ومشروعيّتُه)، ومما جاء فيه: [[ ورد في دعاء الندبة:” فَعَلَى الأطائِبِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وَآلِهِما فَلْيَبْكِ الْباكُونَ، وَإيّاهُمْ فَلْيَنْدُبِ النّادِبُونَ، وَلِمِثْلِهِمْ فَلْتَذْرِفِ الدُّمُوعُ، وَلْيَصْرُخِ الصّارِخُونَ، وَيَضِجَّ الضّاجُّونَ، وَيَعِـجَّ الْعاجُّوَن، أَيْنَ الْحَسَنُ أيْنَ الْحُسَيْنُ أيْنَ أبْناءُ الْحُسَيْنِ”، نرى أنّ لام الأمر زائد الفعل المضارع – وهي صيغة أمرية- تأمرنا بالضجيج والعجيج والصراخ؛ أي نستصرخ الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف)، كما أن الإمام الصادق (عليه السلام) يأمرنا بالإنشاد بالصوت الحزين المشجي؛ فعن ابن هارون الكوفي العراقي قال: دخلت علـى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام ) فقال (عليه السلام): (يا أبـا هارون، أنشدني في الحسين)‏ قال أبو هارون: فأنشدته فلم يعجبه الإنشاد لخلوّه من الرقّة الشجيّة فقال (عليه السلام) : ( لا ) أي ليس بهذه الطريقـة (بل كما تنشدون في العراق وكما ترثيه عند قبره).
‎إضافة إلى ذلك فإنّ كثيرًا من الروايات تؤكد على قراءة القرآن بحزن وشجى، وأكثر القراءات المعروفة بهذا هي القراءة العراقية، إزاء ما موجود من تشريع في قراءة القرآن بحزن وقراءة المراثي الحسينية برزت أساليب متعددة في المجالس الحسينية منها: قصائد الشور والبندرية التي أخذت تستقطب الشباب لِما فيها من تفاعل نفسي وعاطفي ووجداني وله أثره في تأجيج العاطفة لأن الإنسان إذا لطم وتفاعل وهاجت به الروح وفيه الحرارة الحيدرية أصبح يتكلم بما يمليه عليه جوهر ذاته، فإنّ من التوفيقات الإلهية التي تخصّ مجالس اللطم هي مجالس الشور والبندرية التي تصنع أنصارًا للحجّة (عجّل الله فرجه الشريف).
‎وقد ورد في القاموس: إن معنى الشور لغةً هو: الإحساس والعاطفة والضجيج والحماسة والحرقة والمعنى المالح، وكما يقال: إنّ الزاد الذي لا يوجد فيه ملح يكون فاترًا (ماصخ) وأشار لهذا المعنى الدكتور محمد التونجي صاحب قاموس فرهمند قلائي وهو قاموس عربي فارسي .
‎واصطلاحًا هي: إحدى التعزيات القديمة أو اللطم السريع الذي يدلّ على عِظم المصاب ويتخلل العزاء تسبيح بأحد أسماء أهل البيت.
‎يذكر بعض الباحثين ومنهم محمد جميل أنّ أوّل مجلس شور عُقد لسيد جواد ذاكر(رحمه الله) وهو إيراني، وهذا ليس بصحيح؛ فالسيد جواد ذاكر في إيران يقول على لسانه: ” تحسسنا معاناة الحسين وأجواء الطفّ من اللطم العراقي، ولطمة الشور أخذته من النساء العراقيات اللاتي يلطمن ” فالنساء العراقيات في اللطم تقرأ الرادودة(الملّاية) وفي نفس الوقت نساء يردّدن ويكرّرن كلمة أو كلمات بصورة سريعة مع لطم سريع ونساء أخريات يردّدن بالشجى والحزن، وهذا العمل مأخوذ من جيل إلى جيل منذ مئات السنين فهو تراث عراقي قديم .
‎ويذكر أحد المشايخ أن أول مجلس شور عُقد وفق ما ذكر بالمعنى الاصطلاحي والسرعة والترديد كان في سنة 1983 وكان عراقيًا .
‎فبعد تسفير العراقيين عن موطنهم في ذلك الزمن وابتعادهم عن كربلاء كان العراقيون بطبيعتهم لا يسكنون، فالرادود عادة يقرأ قصيدة واحدة فتبدأ عند الناس العراقيين الحرقة والضرب على الصدور ويصيحون: حسين حسين حسين، أكثر من مرة وكان الرادود حسين الكربلائي في ذلك الوقت يردد بأول شور عراقي فاستحسن سيد جواد ذاكر هذه الطريقة واُخذت عن العراقيين.
‎أما التسمية فلأنّ العراقيين كانوا في ذلك المكان في إيران فسمّوا هذه التسمية، وكما ذكرنا معانيه.
‎وإنّ الشور بهذا المعنى (الرَّدّة السريعة والحزن العميق والترديد) مستخدم في كثير من دول العالم كطور إنشادي وهو من تراث أكثر الشعوب مثل الهند وباكستان وأفريقيا: الصومال وموريتانيا والسودان وغينيا وغيرها.
‎أما البندرية بمعنى: مرسى السفن أو المدينة الساحلية أو منطقة كبيرة يتبعها بعض المدن ومقرّ التجّار في المدينة ومركز التوزيع (وكما نقول باصطلاحنا: بالولاية) ويقال: تبندر الريف، أي: أخذ طابع المدينة.
‎ومن أشهر التراث البندري هو موسيقى الهبان وهي قربة من الجلد مثل الجوقات العسكرية وتنطق بنغمة حزينة، وعجبًا إن البعض يقول: إنّ هذه النغمة محرّمة مع أننا نلاحظ كثيرًا ما يستعمل الطبول والأجواق والدمّام في كثير من التعزيات، فلماذا لا تحرّم؟!!.
‎وتنتشر البندرية في سواحل الخليج مثل البحرين وعُمان وإيران وأهل مصر كما يطلقون على ضفاف النيل: أهل البندر.
‎وأخيرًا نقول: إنّ الشور والبندرية وإبداع المعزّين، فللرادود العراقي الدور المهمّ في تحريك مشاعر الموالين والمعزّين وبأسلوب عفوي وعاطفي، وكلما كانت الشعائر شرعية ومهذبة ووسطية وبعيدة عن الإلحاد والتطرف والغلوّ والغناء والرقص وخلع الملابس، كان الرادود الحسيني بمشاركة المعزّين في طور الشور والبندرية أكثر تأثيرًا في نفوس العامّة والشباب خاصة… ]] .
‎وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشرنا وإياكم مع الحسين وأصحاب الحسين (عليهم السلام).
‎أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم بسم الله الرحمن الرحيم ((السورة)) صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم لذكره الشرف والتسليم والصلوات