خطيب جمعة المعقل : شهرٌ شعبان منحة ربانية تتجلى فيه الحكمة الإلهية برفع الأعمال وقبول الطاعات والعبادات


المركز الإعلامي _ إعلام المعقل

أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد الصديقة الطاهرة -عليها السلام- في محافظة البصرة بإمامة الشيخ صادق المندلاوي -دام عزه – وذلك في يوم الجمعة المصادف السادس من شعبان 1440 هجرية، الموافق 11 نيسان 2019 ميلادية ، تزامنا مع الدخول في شهر شعبان، تطرق المندلاوي في الخطبة الأولى لخصوصيات هذا الشهر الكريم وفضائل العظيمة قائلا: “تتجسد عبادة الله بمواسمٍ معينةٍ لزيادة الأعمال والطاعات والعبادات فيها، والتقرّب من الله تعالى، فتنال الأعمال فيها البركة ببركة الزمان التي حدثت فيه، ومن الأزمان التي كان يكثر فيها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من العبادات والقربات في شهر شعبان فكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حريصاً على الطاعة والعبادة رغم مغفرة الله له ما تقدّم وما تأخّر من ذنبه، كما كان الصحابة -رضي الله عنهم – يتافسون ويتسابقون في الطاعات والعبادات، ولا بدّ للمسلم من الحرص على الاجتهاد في مواسم العبادات، والاجتهاد في شهر شعبان خاصةً، حيث إنّه يُعين على الاجتهاد في شهر رمضان، وفي ذلك يقول احد العلماء (إِنَّ صِيَامَ شَعْبَانَ كَالتَّمْرِينِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ لِئَلاَّ يَدْخُلَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَشَقَّةِ وَكُلْفَةٍ، بَلْ قَدْ تَمَرَّنَ عَلَى الصِّيَامِ وَاعْتَادَهُ، وَوَجَدَ بِصِيَامِ شَعْبَانَ قَبْلَهُ حَلاَوَةَ الصِّيَامِ وَلَذَّتَهُ، فَيَدْخُلُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ، وَلَمَّا كَانَ شَعْبَانُ كَالْمُقَدِّمَةِ لِرَمَضَانَ شُرِعَ فِيهِ مَا يُشْرَعُ فِي رَمَضَانَ مِنَ الصِّيَامِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ لِيَحْصُلَ التَّأَهُّبُ لِتَلَقِّي رَمَضَانَ، وَتَرْتَاضُ النُّفُوسُ بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ). واشار خطيب الجمعة الى فضل شهر شعبان عند الله سبحانه ومكانته ومنزلته بين باقي الشهور، عندما رأى تعظيم الجاهلية لشهر رجب، وتعظيم المسلمين لشهر رمضان، فقد سأل أسامة بن زيد -رضي الله عنه- الرسول عن كثرة صيامه في شهر شعبان، فأجاب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قائلاً: (ذاكَ شهرٌ يغفلُ الناسُ عنهُ بينَ رجبَ ورمضانَ وهو شهرٌ يُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ فأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ) وتخصيص الرسول لشهر شعبان في الصيام مقرونٌ برفع الأعمال إلى الله، أي أنّ الأعمال ترفع إلى الله في شهر شعبان، بينما تُعرض كلّ اثنين وخميس من أيام الأسبوع، وتجدر الإشارة إلى أنّ رفع الأعمال إلى الله يكون على ثلاثة أنواعٍ؛ فيرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، كما ترفع إليه الأعمال يومي الاثنين والخميس، وترفع أيضاً في شهر شعبان بالخصوص، وممّا يدلّ على ذلك ما روي أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (يتعاقبون فيكم: ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ، ويجتمِعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ) ولأجل رفع الأعمال إلى الله في شهر شعبان أحبّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يكون ذلك وهو صائم، فذلك أدعى لقبول الأعمال من الله تعالى، كما أنّه أحبّ إلى الله عزّ وجلّ. وتطرق الشيخ المندلاوي في الخطبة الثانية الى ( حياة الامام السجاد -عليه السلام- ) تزامنا مع ولادته في شهر شعبان فكانت حياته -عليه السلام- مليئة بالأحداث والعبر والدروس. الإمام علي بن الحسين -عليه السلام- هو رابع ائمة اهل البيت -عليهم السلام- وجدَه الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وصيِّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- واول من اسلم وآمن برسالته وکان منه بمنزلة هارون من موسى کما صح في الحديث عنه، وجدته فاطمة الزهراء بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبضعته وفلذة کبده وسيدة نساء العالمين، کما کان ابوها يصفها، وابوه الامام الحسين -عليه السلام- احد سيدَي شباب اهل الجنة سبط الرسول وريحانته.لحکمة الهية بالغة، بقى الامام علي بن الحسين -عليه السلام- حيا بعد المجزرة الدموية الاموية التي حلت ببيت الرسالة في کربلاء، في وضع مأساوي وصفه الامام السجاد -عليه السلام- ذاته في جوابه (للمنهال بن عمر) حين سأله، کيف امسيت يا أبن رسول الله؟ قال: (أمسينا کمثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبَحون أبنائهم ويستحيون نساءهم). ولقد نجا -عليه السلام- بقدرة الله تعالى، في حين کان عمره يومها ثلاثا وعشرين سنة، فقد کان المرض الذي استبدَ به لاسقاط واجب الجهاد بالسيف عنه. وقد قدر للإمام زين العابدين أن يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيه -عليه السلام- فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأول، في مرحلة من أدق المراحل التي مرّت بها الأمة وقتئذ، وهي المرحلة التي اعقبت مرحلة الفتوح الاولى، فقد امتدّت هذه المرحلة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمت شعوبا مختلفة وبلادا واسعة الى الدعوة الجديدة، واصبح المسلمون قادة الجزء الاعظم من العالم المتمدن وقتئذ خلال نصف قرن. وجاء دور الإمام السجاد -عليه السلام- بعد استشهاد أبيه الامام الحسين -عليه السلام- مباشرة، ليقوم بما عليه في هذه المرحلة، والتي تمثلت بدوره الإعلامي من خلال إظهار الجانب المفجع والمأساوي لما حدث في كربلاء وما صنع الأعداء بأهل البيت من ذبح وسبيّ…. والجدير بالذكر يعتبر منبر صلاة الجمعة باب من أبواب الله الصادحة للتذكير بالتعاليم الإسلامية التي سعى أبناء المعقل من أجل أقامتها.