خطيب جمعة سومر : أن الإنسان يتحمّل المسؤولية المطلقة عن تصرفاته في هذه الحياة.

المركز الإعلامي – إعلام سومر

أكد خطيب جمعة سومر الشيخ كاظم النائلي (دام عزه) في خطبة الجمعة المصادف التاسع والعشرون من محرم الحرام 1439هـ ، شاءت الإرادة الإلهية أن يتحمّل الإنسان المسؤولية المطلقة عن تصرفاته في هذه الحياة. وحيث إنّ الله تعالى هو العالم بما كان وما يكون، فهو الملمّ بحصول الطاعات، وحدوث المعاصي، يعلم بما يجري على أوليائه، ومحيط بما يفعله أعداؤه، لكنه تعالى ترك للإنسان حرية الاختيار، مع سابق علمه تعالى بما سيختاره كلّ إنسان.
إنّ علم الله باختيارات البشر، خيرًا كانت أم شرًّا، لا يعني إجبارهم عليها، ولتقريب الفكرة يمكن تشبيه الحالة، بحالة المعلم الذي يعلم بمستوى وجدية كلّ واحد من طلابه، وهذا ما يكسبه العلم المسبق بمن هو الأجدر بالنجاح أو الأقرب إلى الفشل، غير أنه مع ذلك يقدّم لهم الامتحان ويتركهم، كلٌّ بحسب اجتهاده. إنّ العلم المسبق لدى المعلم بالطلبة الجادّين والأقرب للنجاح، لا يعني أنّ للمعلم دخلًا مباشرًا في نجاح هذا أو فشل ذاك. وهكذا الحال معه سبحانه وتعالى، فهو يعلم بالمطيعين والعاصين، غير أنه أعطى هؤلاء وهؤلاء حرية الاختيار في هذه الحياة.
وكذلك الحال مع ما يحدث في الحياة من الحوادث، فإنه عالم بها قبل حدوثها، فقد أحاط سبحانه وتعالى في سابق علمه بواقعة كربلاء، ولما لتلك الواقعة من عظيم الأهمية والتأثير، فقد أخبر نبيه عنها، وهذا ما تناولته الكثير من الأحاديث التي رواها المسلمون بشتى فرقهم، والتي أجمعت على أنّ النبي قد أُخبر بما سيحدث على سبطه الحسين ، وأخبر أهل بيته وأصحابه. غير أنّ العلم المسبق عند الله سبحانه وتعالى بها، لا يقلّل من كونها جريمة بشعة وفاجعة كبرى، ما كان ينبغي لها أن تقع من حيث الأصل. على مرأى ومسمع من الأمة.
تسآءل الخطيب النائلي : لماذا حدثت فاجعة كربلاء؟
وحقيقة الأمر، لم تكن واقعة كربلاء لتحصل لو أنّ الأمة قامت بواجب الولاء لأهل البيت (عليهم السلام). فلو استجابت الأمة لأمر نبيها ، وأعطت أهل بيته حقهم ومكانتهم، وانحازت إليهم، لما حصل ما حصل في كربلاء. ولو تحلّت السلطة الأموية الحاكمة بشيء من التعقل، لأمكن تلافي وقوع هذه الفاجعة، سيّما وأن الإمام الحسين لم يكن متعطشًا للسلطة، فهو كسائر أئمة أهل البيت لم تكن السلطة بالنسبة لهم مطلبًا أساسًا، بقدر ما هي تكليف شرعي من قبل الله، يقومون به ما سنحت لهم الفرصة بذلك، وإلا فهم ليسوا في وارد التكالب عليها.
إنّ الإمام الحسين لم يكن ليتحرك باتجاه الكوفة لو لم تأته كتب أهل العراق بعشرات الآلاف، حتى بلغت أربعين أو خمسين ألفًا بحسب بعض الروايات، بخلاف الوفود والمبعوثين والرسل الذين أقبلوا عليه في المدينة المنورة، ليدعوه “أنْ أقدم، ليس علينا إمام غيرك”، وبمعنى أدق، لقد كانت الأمة تريد منه تحمل المسؤولية تجاهها، وما كان له أن يتهرّب عن التصدي لهذه المسؤولية، وفي ذات الوقت لم تكن له رغبة في قتال. حتى إنه رفض مهاجمة طلائع الجيش الأموي، حين دعاه بعض أصحابه لانتهاز الفرصة ومهاجمتهم، وأخذ سلاحهم ليكونوا بذلك عبرة لمن خلفهم، وقد كانوا حينها لا يتجاوزون الألف فارس، قد كظّهم العطش، وأنهكهم التعب، بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، فما كان منه إلا أن أجابهم بالقول: “إني أكره أن أبدأهم بقتال”، وقد تكررت منه ذات المقولة في يوم العاشر من المحرم.
لقد بلغ من حرص الإمام الحسين على تجنّب الصدام والحرب، أن نأى عن الذهاب للكوفة، وقد كانت وجهته الأساس. ولطالما خطب في الجيش الأموي عارضًا عليهم أن يدعوه ينصرف، رغبة منه في العودة إلى المدينة المنورة، أو التوجه إلى أيّ مكان آخر. ولو كان لدى السلطة الأموية شيء من العقل والإدراك، لما تورطت في سفك دماء الإمام الحسين وأهل بيته، ولوفّروا على الأمة مآسي هذه الفاجعة الكبرى. ولو شئنا الوقوف على سبب التعنّت الأموي تجاه الإمام الحسين ، لرأيناه يعود إلى رغبتهم في انتزاع البيعة منه عنوة، وهو تعنّت سلطوي ليس له ما يبرره، فقد حصل في التاريخ الإسلامي أن رفض بعض الصحابة أداء البيعة للخليفة، وتأخرت بيعة بعضهم الآخر، وقد حصل ذلك مع الخليفة الأول أبي بكر، كما حصل مع الإمام عليّ، دون أن يصل الأمر إلى هذا القدر من الوحشية تجاه الرافضين أو المتأخرين عن البيعة، فما الضّير في أن يترك الحسين للذهاب في حال سبيله، سيما وقد قال لهم : “.. وإن لم تفعلوا، وكنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم”.
وتكرّرت مرارًا دعوته للجيش الأموي بأن يتركونه ينصرف عنهم. فقد وردت عنه عدة خطب في هذا السياق، ومن ذلك ما ورد في خطبة له أمام الجيش الأموي قال فيها: “أما بعد، أيّها الناس فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحقّ لأهله، يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم غير ما أتتْني كتبكم وقدمت به عليَّ رُسُلكم انصرفت عنكم”[2] ، وقد استمرّ يدعوهم على هذا النحو حتى اليوم العاشر من المحرم، فلم يكن يريد لهذه الواقعة المؤلمة أن تقع.
وأختتم النائلي خطبته بالدعاء لله بتعجيل الفرج للإمام الحجة أبن الحسن (عليه السلام).