بيان رقم (17): ((المرجعية العليا …….والانتخابات))

بيـــان رقم – 17 –(( المرجعية العليا …….والانتخابات ))

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد الحسني(دام ظله)

بعد الاستفتاء الأخيّر الذي صدر من سماحتكم بعدم وجوب المشاركة في الانتخابات , سمعنا الكثير عن ما صدر من بعض المرجعيات الدينية الأخرى فتوى وجوب المشاركة ويشير البعض إلى أن هذا الحكم الوجوبي يمثّل جميع المرجعيات الدينية لان سكوت البعض الآخر يعتبر إمضاء للحكم , نرجو من سماحتكم بيان رأيكم في الأمر.

بسمه تعالى :-

أولا: كما بيّنا في الإستفتاء السّابق بعدم وجود دليل شرعي أو عقلي يدل على وجوب المشاركة في الإنتخابات , بل يمكن أن يكون الدليل الشرعي والعقلي بل والأخلاقي والتأريخي على خلاف ذلك , فيُحكم بحرمة المشاركة شرعاً وأخلاقاً إذا كان المتوقع من الانتخابات :

1- تكريس الإحتلال وما رشَحَ عنه من فساد وإفساد وجور وظلم وقبح وضلال.

2- تعميق الخلافات القومية والدينية والمذهبية والدنيوية بين أبناء العراق الحبيب, وهذا يعني بقاء ودوام وتأصيل الحالة المأساوية المرعبة من إنتهاك حرمات وسفك دماء وزهق أرواح .

ثانياً: نحذّر أنفسنا والآخرين ممن يتصدّى للمرجعية ظاهراً ، من الإنزلاق في الّلعبة السياسية والوقوع في شركها , ولا يخفى على الجميع أن رموز الكفر والإلحاد ومن سار معهم يطالبون بإجراء الانتخابات بل هم من وضع ذلك الموعد للانتخابات وليس المرجعية ، فعلى المرجعية ان تتعظ فلا تكرر الوقوع في الحرام وارتكاب الأخطاء في تأييد المحتلين وشَرْعنَة افعالهم ومشاريعهم المهلكة المدمرة .

ولا يخفى علينا جميعاً أنّ رموز الكفر والإلحاد قبيل سقوط نظام صدام قد ادّعوا ورفعوا شعار تحرير العراق وإقامة الديمقراطية وحكم الشعب بإجراء الانتخابات ، ولم نسمع في ذلك الوقت وقبله أيَّ شيء قد صدر من المرجعية عن ذلك .

ثالثاً: المهم والاهم بل الأمر الرّئيس والأساس ليس الانتخابات ووجوب إجرائها في الوقت المحدّد من قبل المحتلين , بل المهم إيقاف نزيف الدم وإشباع الجياع وسيادة الأمن والأمان ، وترسيخ الإيمان ، وتقويم وتصحيح الإنحراف والإنحطاط والإنهيار الرّوحي والأخلاقي في المجتمع .

رابعاً: والآن نسأل أنفسنا هل إجراء الانتخابات في الموعد المحدّد ووجوب المشاركة فيها سيحقق ذلك الهدف السّامي الإنساني من إيقاف نزيف الدماء وإشباع الجياع وسيادة الأمان وتقويم الإعوجاج , أو أن النجاح وتحقيق الهدف لا يتحقق إلا بتهيئة الظروف والمقدمات المناسبة والمتكفلة للنجاح , من مد أواصر المحبة والوئام ، والشعور والإحساس بآلام الآخرين والتفاعل معها والعمل من أجل إيقافها وإزالتها .

خامساً: وأي عاقل يرضى على عمل راعٍ يوجه رعيته إلى مرعى وحقل ملئ بالذئاب والسباع والمصائد والشراك , يوجهها فقط ويتركها في ذلك المرعى دون مراقب وموّجه وراعٍ ؟؟!! , وأي عاقل يرضى على المرجعية توجيه الناس إلى الانتخابات ووجوب المشاركة فيها , وسط ما يحيط فيها من ظروف وملابسات وتناقضات كثيرة وكثيرة من دون أن تقدم لهم المرجعية أي مشروع سياسي ولا فكري ولا روحي ولا أخلاقي ولا اجتماعي فتترك الناس في تيه وفي كل واد تهيم , يأخذها ذئب من هنا , وثعلب من هناك , وحيّة في مكان , وهكذا الشراك وشبهات وفتن الماكرين والمخادعين والمنافقين .

سادساً: فالحذر…. الحذر… الحذر…من طائفية وتعصب جاهلي ، فالوقت عصيب عصيب ، خطير خطير , فالشرع والأخلاق والتأريخ تُلزم المرجع العالم وتوجب عليه إظهار علمه وممارسة دوره الحقيقي في إصلاح المجتمع وتقويمه وتحصينه فكرياً وروحياً وأخلاقياً .

سابعا: ليخرج المرجع من صمته القاتل ولِيُوّجّه خطاباً إلى الأمة ويُصدر ما عنده من فكرٍ ونصح وتوجيهٍ وتشخيص للمهم والاهم , وللنافع والضّار والفاسد حتى يُثبتَ للأمة أن المرجعية ليست فارغةً وليست جهةً إعلامية أو دائرة نفوس أو إحصاء تابعة للحكومة عملها فقط وفقط توجيه الناس لتسجيل أسمائهم في سجلّ الناخبين والمشاركة في الانتخابات ، بل المرجعية أثر فعلي واقعي وتربية فقهية وأصولية وفكرية وروحية وأخلاقية وتفاعل وإحساس واهتمام بالآخرين والتألّم لآلامهم ومعاناتهم ، فالمرجعية ليست شكليّة صنميّة ولا إعلامية ولا وجاهتية ، بل خدمة وتفاني وإيثار وتضحية .

ثامناً: أما آراء باقي العلماء فعليكم توجيه السؤال إليهم ومعرفة آرائهم مباشرة .

وفي الختام أقول : سيقف الجميع بين يدي الحكم العدل وأمام الأشهاد وسيعرف الجميع مصاديق وتطبيقات قوله تعالى (( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبا… (18)الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا … (19)… (20)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(21)لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ)) هود/ 18-22 .

والحمد لله ربِّ العالمين والعاقبة للمتقين ، وصلِّ اللهم وسلّم على محمد وعلى آل محمد

السيد الحسني

19/ رمضان /1425هـ

2 / 11 / 2004م